وانقطع الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام الفترة كئيبا محزونا ، تعتريه الحيرة والدهشة ، فقد روى البخاري في كتاب التعبير ما نصه : وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا عدا (أي جرى) منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقا ،فيسكن لذلك جأشه (أي قلبه) وتقر نفسه ، فيرجع ،فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ،فإذا أوفي بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك. قال ابن حجر : وكان ذلك (أي انقطاع الوحي) أياما ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع (أي الخوف) وليحصل له التشوف إلى العود، فلما تقلصت ظلال الحيرة ، وثبتت أعلام الحقيقة ،وعرف صلى الله عليه وسلم معرفة اليقين أنه أضحى نبي الله الكبير المتعال ، وأن ما جاءه سفير الوحي ينقل إليه خبر السماء، وصار تشوفه وارتقابه لمجيء الوحي سببا في ثباته واحتماله عندما يعود ، جاءه جبريل للمرة الثانية ، روى البخاري عن جابر بن عبدالله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي ، قال: فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجثثت (أي فزعت) منه حتى هويت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت : زملوني (أي غطوني) زملوني ،فزملوني ، فأنزل الله تعالى: يا أيها المدثر إلى قوله فاهجر، ثم حمي الوحي وتتابع.